فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة الطلاق:

.تفسير الآيات (1- 2):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)}
{يا أيها النبيُّ إذا طلقتم النساء} هذا خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون داخلون معه في الخطاب، ومعنى قوله: {إذا طلقتم}: إذا أردتم طلاق النِّساء {فطلقوهنَّ لعدتهنَّّ} أَيْ: لطهرهنَّ الذي يحصينه من عدتهنَّ، وهذا سنَّةُ الطَّلاق، ولا تُطلقوهنَّ لحيضتهنَّ التي لا يعتدون بها من زمان العِدَّة. {وأحصوا العدة} أَيْ: عدد أقرائها، واحفظوها لتعلموا وقت الرَّجعة إن أردتم أن تُراجعوهنَّ، وذلك أنَّ الرجعة إنَّما تجوز في زمان العِدَّة {واتقوا الله ربكم} وأطيعوه فيما يأمركم وينهاكم {لا تخرجوهنَّ من بيوتهن} حتى تنقضي عدَّتهنَّ {ولا يخرجن} من البيوت في زمان العِدَّة {إلاَّ أن يأتين بفاحشة مبينة} وهي الزِّنا، فيخرجن حينئذٍ لإِقامة الحدِّ عليهنَّ {وتلك حدود الله} يعني: ما ذكر من طلاق السُّنَّة {ومَنْ يتعدَّ حدود الله} ما حدَّ الله له من الطَّلاق وغيره {فقد ظلم نفسه لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً} بعد الطَّلاق مراجعةً، وهذا يدلُّ على كراهية التَّطليق ثلاثاً بمرَّةٍ واحدةٍ؛ لأنَّ إحداث الرَّجعة لا يكون بعد الثَّلاث.
{فإذا بلغن أجلهنَّ} قاربن انقضاء العدَّة {فأمسكوهنَّ} برجعةٍ تراجعونهنَّ بها {بمعروف} وهو أن لا يريد بالرَّجعة ضرارها {أو فارقوهنَّ بمعروف} أَيْ: اتركوهنَّ حتى تنقضي عدتهنَّ فتبين، ولا تضاروهنَّ بمراجعتهنَّ. {وأشهدوا ذوي عدل منكم} على الرَّجعة أو الفراق. {ومَنْ يتَّق الله} يُعطه فيما يأمره وينهاه {يجعل له مخرجاً} من الشدَّة إلى الرَّخاء، ومن الحرام إلى الحلال، ومن النَّار إلى الجنَّة، يعني: من صبر على الضِّيق، واتَّقى الحرام جعل الله له مخرجاً من الضِّيق.

.تفسير الآيات (3- 6):

{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)}
{ويرزقه من حيث لا يحتسب} ويروى أنَّ هذا نزل في عوف بن مالك الأشجعيِّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ العدو أسر ابني، وشكا إليه الفاقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتَّق الله واصبر، وأَكْثِرْ من قول: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، ففعل الرَّجل ذلك، فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو، وأصابَ إبلاً لهم وغنماً، فساقها إلى أبيه. {ومَن يتوكل على الله} ما أهمَّه يتوثق به ويسكن قلبه إليه {فهو حسبه} كافيه {إنَّ الله بالغ أمره} يبلغ أمره فيما يريد، وينفذه {قد جعل الله لكل شيء قدراً} ميقاتاً وأجلاً.
{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} أَيْ: القواعد من النِّساء اللاتي قعدن عن الحيض {إن ارتبتم} إنْ شككتم في حكمهنَّ ولم تعلموا عدَّتهنَّ، وذلك أنَّهم سألوا فقالوا: قد عرفناه عدَّة التي تحيض، فما عِدَّة التي لا تحيض والتي لم تحض بعد؟ فبيَّن الله تعالى ذلك فقال: {فعدتهنَّ ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} يعني: الصِّغار. {وأولات الأحمال} ذوات الحمل من النِّساء {أجلهنَّ} عدتهنَّ {أن يضعن حملهنَّ} فإذا وضعت الحامل انقضت عدَّتها مُطلَّقةً كانت، أو مُتوفَّى عنها زوجها {ومن يتق الله} بطاعته في أوامره ونواهيه {يجعل له من أمره يسراً} أتاه باليسر في أموره.
{ذلك} يعني: ما ذُكر من أحكام العِدَّة {أمر الله أنزله إليكم...} الآية.
{أسكنوهنَّ} أَيْ: المطلَّقات {من حيث سكنتم} أَيْ: من منازلكم وبيوتكم {من وُجدكم}: من سعتكم وطاقتكم {ولا تضاروهنَّ} لا تؤذوهن {لتضيقوا عليهن} مساكنهن فيحتجن إلى الخروج {وإن كنّ} أي المطلقات {أولات حَمْلٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم} أولادكم منهنَّ {فآتوهن أجورهنّ} على إرضاعهنَّ {وائتمروا بينكم بمعروف} أَيْ: ليقبل بعضكم من بعضٍ إذا أمره بمعروف {وإن تعاسرتم} تضايقتم ولم تتوافقوا على إرضاع الأمِّ {فسترضع} الصَّبيَّ {له} لوالده مرضعةٌ أخرى سوى الأُمَّ، ولا تُكرَهُ الأمُّ على الإِرضاع.

.تفسير الآيات (7- 12):

{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
{لينفق ذو سعة من سعته} أمر أهل التَّوسعة أن يُوسِّعوا على نسائهم المرضعات أولادهنَّ {ومَنْ قدر عليه رزقه} مَنْ كان رزقه بمقدار القوت {فلينفق} على قدر ذلك. {لا يكلف الله نفساً إلاَّ ما آتاها} أعطاها. {سيجعل الله بعد عسرٍ يُسْراً} أعلم الله تعالى المؤمنين أنَّهم- وإن كانوا في حالٍ ضيقةٍ- سَيُوَسِّرهم ويفتح عليهم، وكان الغالب عليهم في ذلك الوقت الفقر والفاقة، ثمَّ فتح الله عليهم وجاءهم باليسر.
{وكأين} وكم {من قرية عتت عن أمر ربها ورسله} عتا أهلها عمَّا أمر الله تعالى به ورسله {فحاسبناها} في الآخرة {حساباً شديداً وعذَّبناها عذاباً نكراً} فظيعاً، يعني: عذاب النَّار.
{فذاقت وبال أمرها} ثقل عاقبة أمرها {وكان عاقبة أمرها خسراً} خساراً وهلاكاً. وقوله: {قد أنزل الله إليكم ذكراً} أَيْ: القرآن.
{رسولاً} أَيْ: وأرسل رسولاً. {يتلو عليكم آياتِ الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور} من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وقوله: {قد أحسن الله له رزقاً} أَيْ: رزقهُ الجنَّة التي لا ينقطع نعيمُها. وقوله: {يتنزل الأمر بينهنَّ} يعني: إنَّ في كلِّ سماء وكلِّ أرض خلقاً من خلقه، وأمراً نافذاً من أمره {لتعلموا} أَيْ: أعلمكم ذلك وبيَّنه لتعلموا قدرته على كلّ شيء، وأنَّه علم كلَّ شيءٍ.

.سورة التحريم:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)}
{يا أيها النبيُّ لم تحرِّم ما أحلَّ الله لك} رُوي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل على حفصة في يوم نوبتها، فخرجت هي لبعض شأنها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مارية جاريته، وأدخلها بيت حفصة وواقعها، فلمَّا رجعت حفصة علمت بذلك فغضبت وبكت، وقالت: أَما لي حرمةٌ عندك وحقٌّ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكتي فهي حرامٌ عليَّ، أبتغي بذلك رضاك، وحلف أن لا يقربها، وبشَّرها بأنَّ الخليفة من بعده أبوها وأبو عائشة رضي الله عنهم أجميعن ذكوراً وإناثاً، وقال لها: لا تخبري أحداً بما أسررتُ إليك من أمر الجارية وأمر الخلافة من بعدي، فلمَّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندها أخبرت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها بذلك وقالت: قد أراحنا الله من مارية، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّمها على نفسه، وقصَّت عليها القصَّة، فنزل: {لم تحرِّم ما أحل الله لك} أَيْ: الجارية {تبتغي} بتحريمها {مرضاة أزواجك والله غفور رحيم} غفر لك ما فعلت من التَّحريم، ثمَّ أمره بأن يكفِّر عن يمينه.

.تفسير الآيات (2- 4):

{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)}
{قد فرض الله لكم} أَيْ: بيَّن الله لكم {تحلَّة أيمانكم} ما تستحلُّ به المحلوف عليه من الكفَّار. يعني: في سورة المائدة.
{وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه} يعني: حفصة {حديثاً} تحريم الجارية وأمر الخلافة {فلما نبأت به} أخبرت به عائشة رضوان الله عليهما وعلى أبيهما {وأظهره الله عليه} أطلع نبيَّه عليه السَّلام على إفشائها السِّرَّ {عرَّف بعضه} أخبر حفصه ببعض ما قالت لعائشة {وأعرض عن بعض} فلم يُعرِّفها إيَّأه على وجه التَّكرُّم والإِغضاء {فلما نبأها به} أخبر حفصة بما فعلت {قالت من أنبأك هذا} من أخبرك بما فعلت؟ {قال نبأني العليم الخبير}.
{إن تتوبا إلى الله} يعني: عائشة وحفصة {فقد صغت قلوبكما} عدلت وزاغت عن الحقِّ، وذلك أنَّهما أحبَّتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته {وإن تظاهرا عليه} تتعاعونا على أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم {فإنَّ الله هو مولاه} وليُّه وحافظه فلا يضرُّه تظاهُرُكُما عليه وقوله: {وصالح المؤمنين} قيل: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وهو تفسير النبيِّ صلى الله عليه وسلم {والملائكة بعد ذلك ظهير} أَيْ: الملائكة بعد هؤلاء أعوانٌ.

.تفسير الآيات (5- 6):

{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)}
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} هذا إخبارٌ عن قدرة الله تعالى على أن يُبدِّله لو طلَّق أزواجه خيراً منهنَّ، وتخويفٌ لنسائه. وقوله: {قانتات} مطيعاتٍ {سائحات} صائماتٍ.
{يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً} أَيْ: خذوا أنفسكم وأهليكم بما يُقرِّب من الله تعالى، وجَنِّبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي {وقودها الناس والحجارة} أَيْ: توقد بهذين الجنسين {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} يعني: خزنة جهنَّم.

.تفسير الآية رقم (8):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}
{توبة نصوحاً} هي التَّوبة التي تنصح صاحبها حتى لا يعود إلى ما تاب منه، ونصوحاً معناه بالغةً في النُّصْح. وقوله: {لا يخزي الله النبيَّ والذين آمنوا معه} أَيْ: لا يفضحهم ولا يهلكهم. {نورهم} على الصِّراط {يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} إذا طُفئ نور المنافقين دعوا الله وسألوه أن يتمَّ لهم النُّور، ثمَّ ضرب مثلاً للنِّساء الصَّالحات والطَّالحات، فقال: {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح...}.

.تفسير الآيات (10- 12):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}
{ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} أَيْ: في الدِّين، فكانت امرأةُ نوحٍ تخبر قومه أنَّه مجنونٌ، وامرأة لوط دلَّت على أضيافه {فلم يُغْنيا} يعني: نوحاً ولوطاً {عنهما من} عذاب {الله شيئاً} من شيءٍ، وهذا تخويفٌ لعائشة وحفصة، وإخبار أنَّ الأنبياء لا يُغنون عن مَنْ عمل بالمعاصي شيئاً، وقطعٌ لطمع من ركب المعصية رجاء أن ينفعه صلاح غيره. وقوله: {ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة} قيل: إنَّ فرعون لما تبيَّن له إسلامها وَتَدَها على الأرض بأربعة أوتاد على يديها ورجليها، فقالت وهي تعذَّب: {ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله} أَيْ: تعذيبه إيَّاي، وفي هذا بيانٌ أنَّها لم تمل إلى معصيته مع شدَّة ما قاست من العذاب، وكذا فليكن صوالح النِّساء، وأمرٌ لعائشة وحفصة أن يكونا كآسيةَ وكمريم بنت عمران. وقوله: {ومريم ابنة عمران} هو عطفٌ على قوله: {امرأة فرعون} {التي أحصنت فرجها} أَيْ: عفَّت وحفظت {فنفخنا فيه من} جيب درعها من {روحنا}. فُسِّر في سورة الأنبياء، {وصدَّقت بكلمات ربِّها وكتبه} آمنت بما أنزل الله على الأنبياء {وكانت من القانتين} أَيْ: من القوم المُطيعين لله، أَيْ: إِنَّها أطاعت فدخلت في جملة المطيعين لله من الرِّجال والنِّساء.

.سورة الملك:

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
{تبارك} أَيْ: تعالى وتعظَّم {الذي بيده الملك} يُؤتيه مَنْ يشاء وينزعه عمَّن يشاء.
{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم} في الحياة {أيكم أحسن عملاً} أَيْ: أطوع لله وأورع عن محارمه، ثمَّ يُجازيكم بعد الموت.
{الذي خلق سبع سموات طباقاً} بعضها فوق بعضٍ {ما ترى في خلق الرحمن} أَيْ: خلقه السَّماء {من تفاوت} اضطرابٍ واختلافٍ، بل هي مستويةٌ مستقيمةٌ {فارجع البصر} أعد فيها النَّظر {هل ترى من فطور} صدوعٍ وشقوقٍ. {ثم ارجع البصر} كرِّر النظر {كرَّتين} مرَّتين.
{ينقلب إليك البصر} ينصرف ويرجع {خاسئاً} صاغراً ذليلاً {وهو حسير} أيْ: وقد أعيا من قبل أن يرى في السَّماء خللاً.
{ولقد زيَّنا السماء الدنيا} التي تدنو منكم {بمصابيح} بكواكب {وجعلناها رجوماً} مرامي {للشياطين} إذا استرقوا السَّمع {وأعتدنا لهم} في الآخرة {عذاب السعير}.